فصل: (البشارة السادسة عشر):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)



.(البشارة الرابعة عشر):

في الباب الثالث عشر من إنجيل متى هكذا: 31 (قدم لهم مثلًا آخر قائلًا يشبه ملكوت السماوات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله) 32 (وهي أصغر جميع البذور ولكن متى نمت فهي أكبر البقول وتصير شجرة حتى أن طيور السماء تأتي وتأوي في أغصانها)، فملكوت السماء طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة محمد صلى اللّه عليه وسلم، لأنه نشأ في قوم كانوا حقراء عند العالم لكونهم أهل البوادي غالبًا، وغير واقفين على العلوم والصناعات، محرومين عن اللذات الجسمانية والتكلفات الدنيوية سيما عند اليهود لكونهم من أولاد هاجر، فبعث اللّه منهم محمدًا صلى اللّه عليه وسلم فكانت شريعته في ابتداء الأمر بمنزلة حبة خردل أصغر الشرائع بحسب الظاهر، لكنها لعمومها نمت في مدة قليلة وصارت أكبرها وأحاطت شرقًا وغربًا، حتى أن الذين لم يكونوا مطيعين لشريعة من الشرائع تشبثوا بذيل شريعته.

.(البشارة الخامسة عشر):

في الباب العشرين من إنجيل متى هكذا: 1 (فإن ملكوت السماوات يشبه رجلًا رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكرمه) 2 (فاتفق مع العملة على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه) 3 (ثم خرج نحو الساعة الثالثة، ورأى آخرين قيامًا في السوق بطالين) 4 (فقال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم فمضوا) 5 (وخرج أيضًا نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك) 6 (ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قيامًا بطالين فقال لهم لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين) 7 (قالوا له لأنه لم يستأجرنا أحد قال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم) 8 (فلما كان المساء قال صاحب الكرم لوكيله ادع الفعلة وأعطهم الأجر مبتدئًا من الآخرين إلى الأولين) 9 (فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة وأخذوا دينارًا دينارًا) 10 (فلما جاء الأولون ظنوا أنهم يأخذون أكثر فأخذوا هم دينارًا دينارًا) 11 (وفيما هم يأخذون تذمروا على رب البيت) 12 (قائلين هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر) 13 (فأجاب وقال لواحد منهم يا صاحب ما ظلمتك أما اتفقت معي على دينار) 14 (فخذ الذي لك واذهب فإني أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك) 15 (أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بما لي أم عينك شريرة لأني أنا صالح) 16 (هكذا يكون الآخرون أولين والأولون آخرين لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون).
فالآخرون أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم فهم يقدمون في الأجر، وهم الآخرون الأولون كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون) وقال: (إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها، وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي).

.(البشارة السادسة عشر):

في الباب الحادي والعشرين من إنجيل متى هكذا: 33 (اسمعوا مثلًا آخر كان إنسان رب بيت غرس كرمًا وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجًا وسلمه إلى كرامين وسافر) 34 (ولما قرب وقت الإثمار أرسل عبيده إلى الكرامين وسافر ليأخذ أثماره) 35 (فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضًا وقتلوا بعضًا ورجموا بعضًا) 36 (ثم أرسل أيضًا عبيدًا آخرين أكثر من الأولين ففعلوا بهم كذلك) 37 (فأخبرا أرسل إليهم ابنه قائلًا يهابون ابني) 38 (وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه) 39 (فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه) 40 (فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين) 41 (قالوا له أولئك الأردياء يهلكهم هلاكًا رديًا ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها) 42 (قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب، الحجر الذي رفضه البناءون، هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا) 43 (لذلك أقول لكم إن ملكوت اللّه ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره) 44 (ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه) 45 (ولما سمع رؤساء الكهنة، والفريسيون أمثاله، عرفوا أنه تكلم عليهم).
أقول: إن رب بيت كناية عن اللّه، والكرم كناية عن الشريعة، وإحاطته بسياج وحفر المعصرة فيه وبناء البرج، كنايات عن بيان المحرمات والمباحات والأوامر والنواهي، وأن الكرامين الطاغين كناية عن اليهود، كما فهم رؤساء الكهنة، والفريسيون، أنه تكلم عليهم، والعبيد المرسلين كناية عن الأنبياء عليهم السلام، والابن كناية عن عيسى عليه السلام، وقد عرفت في الباب الرابع أنه لا بأس بإطلاق هذا اللفظ عليه، وقد قتله اليهود أيضًا في زعمهم. والحجر الذي رفضه البناءون كناية عن محمد صلى اللّه عليه وسلم، والأمة التي تعمل أثماره كناية عن أمته صلى اللّه عليه وسلم، وهذا هو الحجر الذي كل من سقط عليه ترضض، وكل من سقط هو عليه سحقه، وما ادعى العلماء المسيحية بزعمهم، أن هذا الحجر عبارة عن عيسى عليه السلام، فغير صحيح لوجوه:
(الأول) أن داود عليه السلام، قال في الزبور المائة والثامن عشر هكذا: 22 (الحجر الذي رذله البناءون هو صار رأسًا للزاوية) 23 (من قبل الرب كانت هذه، وهي عجيبة في أعيننا). فلو كان هذا الحجر عبارة عن عيسى عليه السلام وهو من اليهود من آل يهوذا من آل داود عليه السلام، فأي عجب في أعين اليهود عمومًا لكون عيسى عليه السلام رأس الزاوية سيما في عين داود عليه السلام خصوصًا لأن مزعوم المسيحيين، أن داود عليه السلام يعظم عيسى عليه السلام في مزاميره تعظيمًا بليغًا، ويعتقد الألوهية في حقه بخلاف آل إسماعيل، لأن اليهود كانوا يحقرون أولاد إسماعيل غاية التحقير، وكان كون أحد منهم رأسًا للزاوية عجيبًا في أعينهم.
(والثاني) أنه وقع في وسط هذا الحجر كل من سقط على هذا الحجر ترضض، وكل من سقط هو عليه سحقه، ولا يصدق هذا الوصف على عيسى عليه السلام لأنه قال: (وإن سمع أحد كلامي، ولم يؤمن، فأنا لا أدينه لأني لم آت لأدين العالم، بل لأخلص العالم). كما هو في الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا، وصدقه على محمد صلى اللّه عليه وسلم غير محتاج إلى البيان، لأنه كان مأمورًا بتنبيه الفجار الأشرار، فإن سقطوا عليه ترضضوا، وإن سقط هو عليهم سحقهم.
(الثالث) قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (مثلي ومثل الأنبياء، كمثل قصر أحسن بنيانه، وترك منه موضع لبنة، فطاف به النظار، يتعجبون من حسن بنيانه، إلا موضع تلك اللبنة، ختم بي البنيان، وختم بي الرسل). ولما ثبتت نبوته بالأدلة الأخرى كما ذكرت نبذًا منها في المسالك السابقة، فلا بأس بأن استدل في هذه البشارة بقوله أيضًا.
(والرابع) أن المتبادر من كلام المسيح أن هذا الحجر غير الابن.

.(البشارة السابعة عشر):

في الباب الثاني من المشاهدات هكذا: 26 (ومن يغلب، ويحفظ أعمالي إلى النهاية، فسأعطيه سلطانًا على الأمم) 27 (فيرعاهم بقضيب من حديد، كما تكسر آنية من خزف، كما أخذت أيضًا من عند أبي) 28 (وأعطيه كوكب الصبح) 29 (من له أذن فليسمع ما يقول الروح بالكنائس). فهذا الغالب الذي أعطى سلطانًا على الأمم، ويرعاهم بالقضيب من حديد،
هو محمد صلى اللّه عليه وسلم. كما قال اللّه في حقه: {وينصرك اللّه نصرًا عزيزًا} وقد سماه سطيح الكاهن صاحب الهراوة، روى أن ليلة ولادته صلى اللّه عليه وسلم انشق إيوان كسرى أنو شروان، وسقط من ذلك أربع عشرة شرافة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغارت بحيرة ساوة بحيث صارت يابسة، ورأى الموبذان في نومه أن إبلًا صعابًا تقود خيلًا عرابًا فقطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فخاف كسرى من حدوث هذه الأمور وأرسل عبد المسيح إلى سطيح الكاهن الذي كان في الشام، ولما وصل عبد المسيح إليه، وجده في سكرات الموت فذكر هذه الأمور عنده، فأجاب سطيح: (إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليست بابل للفرس مقامًا، ولا الشام لسطيح منامًا، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرافات، وكل ما هو آت آت). ثم مات سطيح من ساعته، ورجع عبد المسيح، فأخبر أنو شروان بما قال سطيح، قال كسرى إلى أن يملك أربعة عشر ملكًا، كانت أمور وأمور، فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي اللّه عنه، فهلك آخرهم يزدجر في خلافته. والهراوة بكسر الهاء العصا الضخمة، وكوكب الصبح عبارة عن القرآن، قال اللّه تعالى في سورة النساء:
{وأنزلنا إليكم نورًا مبينًا}، وفي سورة التغابن: {فآمنوا باللّه ورسوله والنور الذي أنزلنا}.
قال صاحب صولة الضيغم بعد نقل هذه البشارة، قلت للقسيسين ويت، ووليم عند المناظرة: إن صاحب هذا القضيب من حديد محمد صلى اللّه عليه وسلم، فاضطربا بسماع هذا الأمر، وقالا: إن عيسى عليه السلام، حكم بهذا الكنيسة ثياثيرًا، فلا بد أن يكون ظهور مثل هذا الشخص هناك، ومحمد صلى اللّه عليه وسلم ما راح هناك، قلت: هذه الكنيسة في أية ناحية كانت. فرجعا إلى كتب اللغة، وقالا: كانت في أرض الروم، قريبة من استانبول. قلت: راح أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم في خلافة الفاروق الأعظم، عمر رضي اللّه عنه، إلى هذه البلاد، وفتحوها، وبعد الصحابة، رضي اللّه عنهم، كان المسلمون أيضًا متسلطين عليها في أكثر الأوقات، ثم تسلط سلاطين آل عثمان، أدام اللّه سلطنتهم من المدة المديدة، وهم متسلطون إلى هذا الحين، فهذا الخبر صريح في حق محمد، صلى اللّه عليه وسلم، انتهى كلامه.
قلت: الفاضل عباس علي الجاجموي الهندي، صنف أولًا كتابًا، كبيرًا في رد أهل التثليث، وسماه صولة الضيغم على أعداء ابن مريم، ثم ناظر هو رحمه اللّه ويت، ووليم القسيسين في البلد كانفور من بلاد الهند وألزمهما، ثم اختصر كتابه، وسمىّ المختصر خلاصة صولة الضيغم، ومناظرته كانت قبل أن ناظر صاحب ميزان الحق في أكبر آباد بمقدار اثنتين وعشرين سنة.